هذا الكتاب هو هدية العبد لله للجيل الجديد في العام الجديد "المضحكون" الذي بين يديك الآن عمرة أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال. صدرت طبعته الأولى في عام 1967 ، ...
محمود السعدني
رواية المضحكون واحدة من أبرز أعمال الكاتب والصحفي الساخر محمود السعدني، اللي اتعرف بأسلوبه الفريد في المزج بين السخرية والواقع. الكتاب بيقدم صورة إنسانية عميقة لعالم الكوميديا في مصر، وخصوصًا حياة الفنانين الكوميديين اللي بيضحكوا الناس وهما في الحقيقة بيعانوا من هموم وأوجاع كبيرة.
بيبدأ السعدني الرواية بوصف الحياة اليومية لعدد من الممثلين الكوميديين اللي اشتغل معاهم أو قابلهم في رحلته الفنية، وبيحكي عن التناقض الغريب بين ضحكهم على المسرح وبكائهم في الكواليس. وبيوضح إن المضحك مش دايمًا سعيد، بالعكس، أحيانًا بيكون أكتر الناس وجعًا لأن شغله كله قائم على إسعاد الناس حتى لو هو حزين من جواه.
السعدني في المضحكون مش بيكتب مجرد مذكرات، لكنه بيعمل نوع من التوثيق الاجتماعي لعصر فني كامل. بيحكي عن بدايات الفن في مصر، عن المقاهي اللي كانت بتجمع الفنانين، عن كواليس المسرح، عن الكفاح اللي بيخوضه الفنان علشان يعيش، عن الحلم اللي بيبدأ صغير وبيكبر مع كل تصفيق من الجمهور.
اللغة اللي استخدمها السعدني بسيطة ومليانة نكهة مصرية أصيلة. أسلوبه ساخر بس فيه وجع، بيضحكك وفي نفس الوقت يخليك تفكر في حال الناس اللي بتضحكك. بيحكي عن شخصيات زي إسماعيل ياسين، وشكوكو، وعبد الفتاح القصري وغيرهم من عمالقة الكوميديا اللي عاشوا البساطة والفقر رغم شهرتهم.
الرواية كمان فيها إسقاطات سياسية خفيفة، السعدني بيستخدم الكوميديا كأداة نقد، بينتقد بيها حال المجتمع والفن والسياسة من غير ما يواجه حد بشكل مباشر. أسلوبه كان دايمًا يعتمد على الذكاء والرمزية، وده خلاه واحد من أعمدة الأدب الساخر في مصر والعالم العربي.
كمان الرواية فيها جانب فلسفي بسيط، بيتكلم عن معنى الضحك، وليه الإنسان بيضحك رغم إن الحياة صعبة، وبيوصل لفكرة إن الضحك مش مجرد تسلية، لكنه وسيلة دفاع عن النفس ضد الوجع، وضد القهر، وضد الحياة اللي ساعات بتكون قاسية.
المضحكون مش مجرد كتاب عن فنانين، ده كتاب عن الإنسان، عن التناقض اللي جوانا، عن الحزن اللي بيتخفى ورا الضحك، وعن الأمل اللي بيعيش رغم كل حاجة. وده سر جمال السعدني، إنه بيخليك تشوف نفسك في كلامه حتى لو كان بيحكي عن غيرك.
في النهاية، تفضل الرواية دي من أكتر الكتب اللي بتعبر عن روح مصر الحقيقية — روح الدعابة، والجدعنة، والوجع، والضحك في وش الدنيا مهما كانت صعبة. وده السبب اللي خلى أعمال محمود السعدني تفضل حية لحد النهاردة.